17 يناير، 2015

((( أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ))


أشرقت الشمس في ذلك اليوم الجميل وراحت ترسل أشعتها الذهبية على تلك الغابة الخضراء الزاهية، كانت جميع الحيوانات تسعى بنشاط وسعادة لتجمع ما رزقها الله تعالى من الطعام؛ الطيور تنتقل من شجرةٍ إلى أخرى ومن مكان لآخر لتلتقط الحبَّ فرحةً مسرورة.. والسناجب تقفز من غصنٍ إلى آخر لتجمع ثمار الأشجار. وها هم الأصدقاء الثلاثة الثور الأبيض والثور الأحمر والثور الأسود يتناولون من حشائش الأرض وأعشابها مطمئنين فرحين وقد بدت أجسامهم كبيرة وقوية.
لكن أسداً كسولاً ظلَّ يغط في نومٍ عميق ولم يستيقظ إلا بعد أن ارتفعت شمس الضحى عالياً في السماء، نهض من نومه متثاقلاً وتوجه إلى بركة الماء وشرب منها قليلاً ثم شعر بالجوع الشديد لأنه لم يذق الطعام منذ أيام.
ثم وقف يطيل النظر إلى حيوانات الغابة وهي تتحرك هنا وهناك قد غمرتها السعادة، فوقع نظره على الثيران الثلاثة وبدأ يتحدث مع نفسه:
ـ ايه... إن بطني الخالية لا يملؤها إلا هذه الثيران السمينة الشهية، كلما نظرت إليها ازداد جوعي وسال لعابي، ولكن ماذا أفعل؟ أنها قوية ولا تتفارق أبداً ولا أستطيع أن افترسهم ما دامت متحدة!
لا بد أن أدبر حيلةً وأفرقهم، فما أفعل يا ترى؟!
راح الأسد يفكر ويفكر طويلاً، ثم بعد مدةٍ ضحك قائلاً:
ـ وجدتها.. وجدتها ها... ها... ها.
اقترب شيئاً فشيئاً من تلك الثيران القوية وخاطبها قائلاً:
طاب صباحكم يا أصدقائي الثيران الأعزاء.
ـ طاب صباحك أيها الأسد.
ـ ما أجمل صداقتكم وحبكم لبعضكم، أتمنى أن أكون صديقكم.
ـ ونحن نتمنى أن نكون أصدقاءك أيها الأسد
وحينما سمع الأسد هذا الكلام الجميل من تلك الثيران، وقف ينظر إليهم قليلاً، بينما راح الثور الأبيض يبتعد مشغولاً بالأكل، عندها اقترب الأسد من الثور الأسود والثور الأحمر وهو ينظر عن يمينه وشماله حتى لا يراه أحد، وقال بصوت منخفض:
ـ أيها الثور الأسود القوي، يا صديقي الثور الأحمر الشجاع، أريد أن أتحدث إليكما بأمرٍ مهمٍ جدأً، انه سرٌ خطير.
ـ ماذا تقول أيها الأسد، أمر مهم، سرٌ خطير؟!
ـ نعم، إنه أمرٌ تتوقف عليه حياتكم وحياة بقية حيوانات الغابة
ـ ما هو هذا الأمر تكلم أيها الأسد؟
ـ انظرا إلى الثور الأبيض، ما أشد بياضه، وما أكبر جسمه
ـ ماذا تريد أن تقول أيها الأسد؟
ـ أريد أن أقول لكم: إن هذا الثور بلونه الأبيض يجعل غابتنا هدفاً للوحوش والحيوانات المفترسة الأخرى، وأخاف أن تهجم علينا الحيوانات المفترسة إن بقي معنا في الغابة.
ـ وما العمل أيها الأسد؟
ـ عندي حل، ولكن ارجو أن توافقاني عليه.
ـ ما هو الحل أيها الأسد؟
ـ ها... آ... دعونا نتخلص من هذا الثور الأبيض ونرتاح من خطر وجوده معنا.
ـ ولكن... كيف نتخلص منه؟
ـ عندي الطريقة المناسبة.
وبعد لحظاتٍ من الصمت، نظر الثور الأسود إلى صاحبه الثور الأحمر ولم يتكلم أحد منهما، حينها قال الأسد:
يا أصدقائي الأعزاء، إنما أريد أن ادفع الخطر عنكم وعن بقية حيوانات الغابة.
عند ذلك تقدم الثور الأسود وقال:
ـ إن كان ما تقوله صحيحاً ـ أيها الأسد ـ فأنا موافق. ما هو رأيك أيها الثور الأحمر؟
ـ أنا أيضاً لا مانع عندي من ذلك، فوجود الثور الأبيض يعني وجود الخطر في غابتنا.
ابتسم الأسد ابتسامةً ماكرة، وهو ينظر إلى الثور الأبيض من بعيد ويخاطب نفسه قائلاً:
ـ نجحت الخطة. ايه أيها الثور الأبيض السمين استعد للموت ها... ها... ها..
ومضت الأيام ولم يبق في الغابة من الثيران غير الثور الأحمر والثور الأسود بعد أن افترس الأسد الماكر ذلك الثور الأبيض ولم يبق منه إلا العظام. وفي ذات يوم وبينما كان الثور الأسود يأكل في مكان من الغابة والثور الأحمر يأكل في مكان آخر قريب منه، اقترب الأسد الماكر وقال:


ـ طاب صباحك أيها الثور الأسود القوي.
ـ طاب صباحك أيها الأسد
ـ كيف حال صديقك الثور الأحمر هذا اليوم؟
ـ إنه بخير
ـ أيها الثور الأسود، انظر إلى الثور الأحمر، ما أكبر جسمه وأقواه لأنه يأكل العشب الطري الجيد، وأنت لا تأكل إلا العشب الرديء، لذا فإن جسمه يقوى ويكبر بسرعة، واظن انه اقوى منك، وقد قال لي قبل أيام إنه أقوى حيوان في الغابة.
ـ ها... هو قال ذلك؟
ـ نعم، ويقول إني أقوى من صاحبي الثور الأسود واشجع منه
ـ أنت سمعته يقول ذلك أيها الأسد؟
ـ نعم يا صديقي.. نعم
ـ إذن سأذهب إليه، وسترى أيها الأسد من هو الأقوى والأشجع
انطلق الثور الأسود بسرعة نحو الثور الأحمر، وما أن وصل إليه فاجأه بضربةٍ من قرنه القوي فغضب الثور الأحمر لذلك ووجه ضربة مماثلة برأسه الكبير إلى الثور الأسود، واشتد القتال بينهما وما هي إلا ساعة حتى سقط الاثنان وقد غطت أجسامهما الدماء من أثر الجراح، ولم يستطيعا النهوض أو الحركة.
استنجد الثور الاحمر بالاسد ...
وطبعاً لم يجد الاسد فرصة احسن من هذه الفرصة فهجم على الثور الاسود والتهمه
وبعد لحظات جاء الأسد الماكر ووقف عند الثور الاحمر وضحك ضحكةً عالية وقال:
ـ بالأمس كنتم أقوياء لأنكم متحدون ويحب أحدكم الآخر، أما اليوم فقد ذهبت قوتكم لتفرقكم واختلافكم، فأصبحتم فريسةً سهلة لأعدائكم
- عندها ايقن الثور الاحمر الخطأ الذي وقع فيه هو واصدقاءه الثيران

وقال مقولته الشهيرة:

 ((( أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ))       

النقاب ليس حرية شخصية


حدود عقل الرجعية الدينية منقولاته عن الماضي، وهذا المقال ينقاش النقاب بالحجة، لو أنك من الرجعيين، لا تتعب عقلك بالقراءة والتفكير، بل أنت سترفض كلامي من العنوان، من حيث المبدأ، أنت خاضع لنصوصك، عبد لها هي وصانعيها من الأسلاف، أما إن لم تكن من أهل الرجعية الدينية، أو لو أنك منهم وشئت أن تفكر قليلاً، فأكمل معي.

في منقولات الرجعية الدينية الكثير من الأوامر والنواهي غير المعقولة، على شاكلة: البسي النقاب. هنا ترتدي المرأة النقاب بلا إحم ولا معقول، فإن شاءت الظروف أن يحاورك أحدهم، واضطر في حواره أن يستعمل جزءاً من عقله فقد يقول: أليست هذه هي الحريات التي تتشدقون بها؟! النقاب حرية شخصية كالتبرج والسفور.
وبصرف النظر عن متحفية لفظي التبرج والسفور، وما لوثهما من دلالات بفعل العقل الرجعي، فإن الحجة السابقة غير معقولة، وهذا تفنيدنا لها. هناك الكثير من المقولات السائرة التي تعرف الحرية الشخصية، في بعض هذه التعريفات ما يشير لحدود هذا النوع من الحرية الموصوفة بالشخصية، وتكاد جميع التعريفات تتفق على أن تلك الحدود هي القوانين، وعدم التعدي على حريات الآخرين، ويقال: أنت حر ما لم تضر.
والنقاب زي يغطي الجسم كله، بما فيه الوجه، هناك نوع بخرم واحد لعين واحدة، ونوع بقطعة شاش سوداء كستارة، هذا يذكرنا بالمشربيات التي هي خشب مشغول به ثقوب يرى أهل البيت من خلالها الشارع ومن فيه من المارة، والجيران، العكس لا يحدث، إلا لو تغير الحال وكانت الإضاءة بالداخل أكبر من الخارج، وهنا ترخى الستائر غير المنفذة للضوء والنظر، وبالنسبة لكائن متحرك في الشارع يختلف الأمر كثيراً، هدف المشربية الحصول على الخصوصية بالمنزل، خاصة في منطقة مزدحمة، تتقارب فيها المسافات. فما هي الغاية من النقاب؟!
الغاية هي الإخفاء، والتخفي، كي لا ترى أنت شيئاً من الكائن المنتقب الذي أمامك، إذ اضطر _أو اضطرت_ للخروج من المنزل، فالنقاب علامة اضطرار للخروج، ودال على عقلية تختزل المرأة إلى أداة جنسية منزلية، النقاب تعبير عن الرغبة في حبس المرأة بالمنزل وإقصائها عن الحياة، لولا أن العقل يعمل جزئياً، قوة الحياة تدفع للخروج من أجل العمل والدراسة، وسائر نشاطات الوجود، النقاب تعبير عن رفض لهذه الأنشطة.
يخفي النقاب الشخص كاملاً، لي قريبات منقبات لا أعرفهن، لكنهن يعرفنني، يراك مرتدي النقاب ولا تراه، هذا ليس عدلاً، هو يدقق في ملامحك، ويقرأ نظراتك مع الكلام وأنت ممنوع من ذلك، هذا إن تكلم، فلعله امرأة ترى صوتها عورة، أو رجل يريد ألا ينكشف، ولا يمكنك إلا نادراً أن تتواصل مع نظرات العين، هكذا تفتقد كل أداة للفهم والتواصل، إلا بالكلام، بعض، بل كثير، من المعلمات وموظفات المدارس (والمحال، والدواوين الحكومية) يرتدين النقاب (الأسود غالباً)، وعلى الطفل الاكتفاء بصوت المعلمة، هذا غير تربوي، وإضافة لذلك يطرح الزي على ذهن الطفل أسئلة سابقة لأوانها.
سمعت بامرأة ارتدت النقاب لأن أحدهم صور لقاءاتهما ورفعها في النت، فتريد ألا يراها أحد، ويعرفها، ولعلك سمعت بجرائم عديدة ارتكبت تحت ستر النقاب، يمكن لرجل تقليد صوت المرأة، والتخفى للدخول إلى مكان لا يجوز له أن يكون فيه، أو لتنفيذ جريمة، أو الهرب بعد تنفيذ الجريمة، أو التحايل على كاميرات المراقبة التي توضع في بعض الأماكن لأغراض أمنية. وحين تقف بعيداً تنتظر أن تخرج زوجتك من حمام المول التجاري، وترى منقبة داخلة للحمام فلا ضمانة لزوجتك ولا لك، لعل المنتقبة في حمام السيدات ليست امرأة، أو امرأة تخطط للسرقة، مستغلة التخفي في النقاب. هكذا يعتدي النقاب على حرية الآخرين، ويهدد أمنهم الشخصي.
ومن وجهة أخرى، نحن بلاد حارة، ومتربة، شهور الشتاء فيها قصيرة، وأيامها الباردة قليلة، والنقاب يجعل الجسم كله في صوبة متحركة، وعادة يكون من القماش الأسود، كتعبير _ ربما_ عما يكتنف النفس لدى مرتديه والمروجين له من ظلمات تتصارع فيها الأشباح والمخاوف، التي بها يتم إخضاع عقول أهل الرجعية الدينية، وكمثال التخويف من ظلمة القبر تيمة تتردد كثيرا في أدبياتهم، وهي كتخويف الطفل من غرفة الفئران.
وربما يفضل اللون الأسود للنقاب لأن هناك زعم بأن راية الرسول في حروبه كانت سوداء، واللون الأسود له عندنا دلالات غير سارة، كئيبة، مرتبطة بالموت والحداد (فاللون الأسود في النقاب تذكيربالموت، وتخويف منه)، لهذا لعلك سمعت، كما حدث كثيراً أمامي، أن طفلاً رأى مرتدية للنقاب فخاف منها وجرى كمن رأى عفريتاً أو شبحاً، وربما هذا مما لا يهم أحداً من أهل الرجعية الدينية، ومن يتشدد معهم، كما لا يهمهم أن طبيعة اللون الأسود امتصاص الحرارة، طبيعته الداكنة تجعله لا تظهر فيه الاتساخات كالأقمشة ذات الألوان البيضاء والفاتحة، هذا يجعل المكوث في النقاب كالبقاء في غلاية، المنقبات يعرفن كلامي، وفي هذه الساونا المتحركة، ومع أتربة الشوارع، والعرق، يمكنك توقع ما يعنيه النقاب من هذه الوجهة، كبيئة جيدة للجراثيم والأمراض الجلدية، خاصة الفطريات المعدية.
والعقل الرجعي، النقلي، يقول للمنقبة، أن خنقة الحر في النقاب وكل ما يجلبه عليها النقاب ويعذبها به، حتى صعوبة تناول طعام أو مشروب في الحر، كل ذلك مشقة تزيد الأچر كلما زادت، ولهذا تستعذب المنقبة العذاب، في مازوخية، أو تخضع له بالعقل المقهور أمام المنقولات القديمة، عن الماضي.
وعلاوة على ما سبق جميعه، يعبر النقاب عن سمة في الخطاب الديني الحالي، وهي التضييق والمزايدة، فمنذ ظهر الحجاب، وأقبلت عليه فئة كبيرة من نساء مصر، وما كاد يشيع، حتى ظهر من يزايد بأنه لا يكفي، وظهر الخمار، فظهر من يقول، هذا يكفي، انزل بالإسدال، فظهر من يقول، لا يكفي، ونزلوا بالنقاب، ثم قال البعض بعين واحدة للنقاب، ورأى البعض أن المرأة أصلاً عورة، ولا خروج لها من المنزل.
وهذه السمة المهمة في الخطاب الديني، تتكامل مع سائر السمات، الجالبة للتخلف الذي من أبسط معانيه الفقر. وإذ ترى في الشارع ذلك الكائن البائس المنكود، المقهور، الناقل بلا عقل، السائر في خيمة سوداء اسمها النقاب، فاعلم أن هذه علامة أننا سائرون للهاوية.