17 يناير، 2015

النقاب ليس حرية شخصية


حدود عقل الرجعية الدينية منقولاته عن الماضي، وهذا المقال ينقاش النقاب بالحجة، لو أنك من الرجعيين، لا تتعب عقلك بالقراءة والتفكير، بل أنت سترفض كلامي من العنوان، من حيث المبدأ، أنت خاضع لنصوصك، عبد لها هي وصانعيها من الأسلاف، أما إن لم تكن من أهل الرجعية الدينية، أو لو أنك منهم وشئت أن تفكر قليلاً، فأكمل معي.

في منقولات الرجعية الدينية الكثير من الأوامر والنواهي غير المعقولة، على شاكلة: البسي النقاب. هنا ترتدي المرأة النقاب بلا إحم ولا معقول، فإن شاءت الظروف أن يحاورك أحدهم، واضطر في حواره أن يستعمل جزءاً من عقله فقد يقول: أليست هذه هي الحريات التي تتشدقون بها؟! النقاب حرية شخصية كالتبرج والسفور.
وبصرف النظر عن متحفية لفظي التبرج والسفور، وما لوثهما من دلالات بفعل العقل الرجعي، فإن الحجة السابقة غير معقولة، وهذا تفنيدنا لها. هناك الكثير من المقولات السائرة التي تعرف الحرية الشخصية، في بعض هذه التعريفات ما يشير لحدود هذا النوع من الحرية الموصوفة بالشخصية، وتكاد جميع التعريفات تتفق على أن تلك الحدود هي القوانين، وعدم التعدي على حريات الآخرين، ويقال: أنت حر ما لم تضر.
والنقاب زي يغطي الجسم كله، بما فيه الوجه، هناك نوع بخرم واحد لعين واحدة، ونوع بقطعة شاش سوداء كستارة، هذا يذكرنا بالمشربيات التي هي خشب مشغول به ثقوب يرى أهل البيت من خلالها الشارع ومن فيه من المارة، والجيران، العكس لا يحدث، إلا لو تغير الحال وكانت الإضاءة بالداخل أكبر من الخارج، وهنا ترخى الستائر غير المنفذة للضوء والنظر، وبالنسبة لكائن متحرك في الشارع يختلف الأمر كثيراً، هدف المشربية الحصول على الخصوصية بالمنزل، خاصة في منطقة مزدحمة، تتقارب فيها المسافات. فما هي الغاية من النقاب؟!
الغاية هي الإخفاء، والتخفي، كي لا ترى أنت شيئاً من الكائن المنتقب الذي أمامك، إذ اضطر _أو اضطرت_ للخروج من المنزل، فالنقاب علامة اضطرار للخروج، ودال على عقلية تختزل المرأة إلى أداة جنسية منزلية، النقاب تعبير عن الرغبة في حبس المرأة بالمنزل وإقصائها عن الحياة، لولا أن العقل يعمل جزئياً، قوة الحياة تدفع للخروج من أجل العمل والدراسة، وسائر نشاطات الوجود، النقاب تعبير عن رفض لهذه الأنشطة.
يخفي النقاب الشخص كاملاً، لي قريبات منقبات لا أعرفهن، لكنهن يعرفنني، يراك مرتدي النقاب ولا تراه، هذا ليس عدلاً، هو يدقق في ملامحك، ويقرأ نظراتك مع الكلام وأنت ممنوع من ذلك، هذا إن تكلم، فلعله امرأة ترى صوتها عورة، أو رجل يريد ألا ينكشف، ولا يمكنك إلا نادراً أن تتواصل مع نظرات العين، هكذا تفتقد كل أداة للفهم والتواصل، إلا بالكلام، بعض، بل كثير، من المعلمات وموظفات المدارس (والمحال، والدواوين الحكومية) يرتدين النقاب (الأسود غالباً)، وعلى الطفل الاكتفاء بصوت المعلمة، هذا غير تربوي، وإضافة لذلك يطرح الزي على ذهن الطفل أسئلة سابقة لأوانها.
سمعت بامرأة ارتدت النقاب لأن أحدهم صور لقاءاتهما ورفعها في النت، فتريد ألا يراها أحد، ويعرفها، ولعلك سمعت بجرائم عديدة ارتكبت تحت ستر النقاب، يمكن لرجل تقليد صوت المرأة، والتخفى للدخول إلى مكان لا يجوز له أن يكون فيه، أو لتنفيذ جريمة، أو الهرب بعد تنفيذ الجريمة، أو التحايل على كاميرات المراقبة التي توضع في بعض الأماكن لأغراض أمنية. وحين تقف بعيداً تنتظر أن تخرج زوجتك من حمام المول التجاري، وترى منقبة داخلة للحمام فلا ضمانة لزوجتك ولا لك، لعل المنتقبة في حمام السيدات ليست امرأة، أو امرأة تخطط للسرقة، مستغلة التخفي في النقاب. هكذا يعتدي النقاب على حرية الآخرين، ويهدد أمنهم الشخصي.
ومن وجهة أخرى، نحن بلاد حارة، ومتربة، شهور الشتاء فيها قصيرة، وأيامها الباردة قليلة، والنقاب يجعل الجسم كله في صوبة متحركة، وعادة يكون من القماش الأسود، كتعبير _ ربما_ عما يكتنف النفس لدى مرتديه والمروجين له من ظلمات تتصارع فيها الأشباح والمخاوف، التي بها يتم إخضاع عقول أهل الرجعية الدينية، وكمثال التخويف من ظلمة القبر تيمة تتردد كثيرا في أدبياتهم، وهي كتخويف الطفل من غرفة الفئران.
وربما يفضل اللون الأسود للنقاب لأن هناك زعم بأن راية الرسول في حروبه كانت سوداء، واللون الأسود له عندنا دلالات غير سارة، كئيبة، مرتبطة بالموت والحداد (فاللون الأسود في النقاب تذكيربالموت، وتخويف منه)، لهذا لعلك سمعت، كما حدث كثيراً أمامي، أن طفلاً رأى مرتدية للنقاب فخاف منها وجرى كمن رأى عفريتاً أو شبحاً، وربما هذا مما لا يهم أحداً من أهل الرجعية الدينية، ومن يتشدد معهم، كما لا يهمهم أن طبيعة اللون الأسود امتصاص الحرارة، طبيعته الداكنة تجعله لا تظهر فيه الاتساخات كالأقمشة ذات الألوان البيضاء والفاتحة، هذا يجعل المكوث في النقاب كالبقاء في غلاية، المنقبات يعرفن كلامي، وفي هذه الساونا المتحركة، ومع أتربة الشوارع، والعرق، يمكنك توقع ما يعنيه النقاب من هذه الوجهة، كبيئة جيدة للجراثيم والأمراض الجلدية، خاصة الفطريات المعدية.
والعقل الرجعي، النقلي، يقول للمنقبة، أن خنقة الحر في النقاب وكل ما يجلبه عليها النقاب ويعذبها به، حتى صعوبة تناول طعام أو مشروب في الحر، كل ذلك مشقة تزيد الأچر كلما زادت، ولهذا تستعذب المنقبة العذاب، في مازوخية، أو تخضع له بالعقل المقهور أمام المنقولات القديمة، عن الماضي.
وعلاوة على ما سبق جميعه، يعبر النقاب عن سمة في الخطاب الديني الحالي، وهي التضييق والمزايدة، فمنذ ظهر الحجاب، وأقبلت عليه فئة كبيرة من نساء مصر، وما كاد يشيع، حتى ظهر من يزايد بأنه لا يكفي، وظهر الخمار، فظهر من يقول، هذا يكفي، انزل بالإسدال، فظهر من يقول، لا يكفي، ونزلوا بالنقاب، ثم قال البعض بعين واحدة للنقاب، ورأى البعض أن المرأة أصلاً عورة، ولا خروج لها من المنزل.
وهذه السمة المهمة في الخطاب الديني، تتكامل مع سائر السمات، الجالبة للتخلف الذي من أبسط معانيه الفقر. وإذ ترى في الشارع ذلك الكائن البائس المنكود، المقهور، الناقل بلا عقل، السائر في خيمة سوداء اسمها النقاب، فاعلم أن هذه علامة أننا سائرون للهاوية.

ليست هناك تعليقات: