محاولات التقارب التُركي مع مصر مؤخرًا حركت عدد كبير من التساؤلات أهمها على الإطلاق: أيه ال "أجبر" النظام دا على تقديم الكم الهائل دا من "القرابين"، ال أهمها إذلال أقرب أصدقائه الإقليميين من الجماعة الإرهابية؟! وعلى الرغم من العدد الكبير من التحليلات ال اتكتب لتفسير المُحاولات التُركية، إلا أن مفيش واحد منها قدم ما يُشفى غليل القارئ العادي فضلًا عن الباحث المُتابع.
-
بداية تُركيا بتُعاني من نقص شديد في موارد الطاقة المحلية، ودا بيدفعها إلى استيراد كميات ضخمة لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، تكلفة الاستيراد دي وصلت أدنى حد لها في 12 سنة تقريبًا 28.9 مليار دولار في عام 2020 من إجمالي الواردات التي بلغت 219.5 مليار دولار، بعد ما كانت وصلت 41.7 مليار دولار، في عام 2019، من إجمالي 210.3 مليار دولار (صورة 1).
-
الوضع دا دفع الحكومة التُركية للبحث عن مصادر لتوفير الطاقة أو توفير تدفقات نقدية من مصادر خارجية كنقل الطاقة عبر الأراضي التُركية، بحيث إنها تتوجه بعد كدا لشراء الطاقة بما يُخفض من تكلفة شراء الطاقة على البلاد في ظل أوضاعها الحالية. لتنفيذ الحليين السابقين أو واحد منهم، قام النظام التُركي بترسيم الحدود البحرية مع حكومة السراج في ليبيا، في مُحاولة لتحقيق أحد غرضين (صورة 2).
-
الترسيم مدد الحدود التُركية ال بتحجمها جزيرة Kastellorizio عند أبعد نقطة من الحدود اليونانية، لأن الجزيرة دي بتبعد عن الساحل التُركي بمسافة تقل عن 2 كم، بحيث تُشمل النقطة السوداء الموضحة على الخريطة في (صورة 2)، أو زي ما بتوضحها بشكل أفضل (صورة 3)، بالتالي فترسيم الحدود مع حكومة السراج خلى النظام التُركي يستحوذ على مساحات واسعة جدًا من مياه البحر المتوسط، ترفع من حظوظها في إيجاد غاز طبيعي في الأعماق.
-
ثانيًا الترسيم دا بيقطع الاتصال الجغرافي بين مصر واليونان، وبالتالي هيمنع وصول كابلات الكهرباء ال بيجري العمل في الوقت الحالي على مدها بين مصر وقبرص من ناحية، ومصر واليونان من ناحية تانية.
* ودا يخلي النظام التُركي مُتحكم إما في السماح بمرور الكابلات بين الدولتين مرورًا بحدوده المُدعاة مُقابل تعريفة مرور، أو مُعاملة تفضيلية.
*أو أنه يمنع المرور دا على وجه العموم، ودا يوجه المشروع لمسار تاني، وخاصة إلى الربط عن طريق المملكة العربية السعودية مع العراق ثم تُركيا، لتربط الأخيرة مع الشبكة الأوروبية بحيث تتحول لمحور إقليمي حصري.
-
الأهداف دي خلت النظام التُركي يحاول فرض الأمر الواقع، بالتدخل في ليبيا غربًا، ويحاول الوصول للساحل الشرقي، بحيث يفرض الاتفاقية إجباريًا على كُلًا من مصر واليونان، عبر قوات تتمركز على الحدود هذه السواحل.
-
كان رد الإدارة المصرية وقتها قاطعًا بفرض خط أحمر بين سرت والجفرة، يتدخل الجيش المصري مُباشرة في حال تخطته المليشيات الليبية أو داعميها من المليشيات السورية (صورة 4)
-
الخط الأحمر المصري قضى تمامًا على الطموح التُركي في قطع الاتصال الجُغرافي بين مصر واليونان، بعد السيطرة على الحدود السواحل الليبية الشرقية، لكن الاطماع التُركية فضلت قائمة في اقتطاع منطقة اقتصادية واسعة، بالمخالفة للقانون الدولي للبحار.
-
وردًا على التحركات التركية، سعت اليونان بكل قوة لترسيم الحدود البحرية مع مصر، وذلك مخافة اقتطاع مساحات شاسعة من مياهها الاقتصادية الإقليمية الخالصة التي يمنحها إيها تواجد جزيرة Kastellorizio على مقربة من السواحل التركية، وفعلًا في 6 أغسطس وافقت الدولتين على ترسيم جُزء من الحدود الغربية بينهما، دون ترسيم كامل (صورة 5)
-
رسمت الدولتين الحدود على خمسة نقط بتبدأ من النقطة E في الغرب في اتجاه الحدود الليبية، وتنتهي بالنقطة A في الشرق في اتجاه الحدود التركية، مرروًا بالنقاط B، C وD، مع ترك الحدود التُركية مع اليونان وفي مواجهة مصر غير مُرسمة.
-
النمط دا من الترسيم أدى إلى ضمان الدولتين الاتصال الجغرافي بينهما، ودا ال هيسمح بمرور الكابلات في الوقت الحالي والمُستقبل، مع إعطاء اليونان حرية حركة لتسوية نزاعاتها مع تُركيا، سواء باستبقاء الحدود ال منحتها إياها جزيرة Kastellorizio، وفق قانون البحار، أو التسامح مع الأتراك ومنحهم جُزء من هذه الحدود، علشان يوقفوا النزاع في المُستقبل، أو في مُقابل تصفية التواجد التُركي في جزيرة قُبرص، ال الأتراك بيحتلوا الجُزء الشمالي منها.
-
لكن مصر قيدت اليونان في الاتفاقية (صورة 6) بأن تستأذن مصر أولًا وأن توافق مصر على هذا الترسيم قبل أن يكون نافذًا أو صحيحًا، حيث ينص البند (د) من المادة الأولى من الاتفاقية على ما يلي:
"يكون تعديل الإحداثيات الجغرافية للنقطة A في اتجاه الشرق والنقطة E في اتجاه الغرب، بموجب اتفاق بين الطرفين، وذلك في حالة التعيين المستقبلي للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع الدول المُجاورة المعنية الأخرى، على أن يقتصر التعديل في هذا الصدد على امتداد النقطة (A)، في اتجاه الشرق، وامتداد النقطة (E) في اتجاه الغرب"
-
خدوا بال حضراتكم، أن الترسيم دا منح مصر مساحة تصل إلى 55% من المسافة بين كُلًا من مصر واليونان، بدلًا من 50% فقط يقضي بها القانون الدولي (صورة 7)
مُحصلة السابق إن مصر نجحت في تطويق الجهود التُركية لتأمين إمدادات الطاقة، سواء بمحاولة تضيق المنطقة اليونانية الاقتصادية الخالصة، أو قطع الاتصال الجغرافي بين الدولتين، وتحويلها لصالحها، وفي النهاية أصبح استرضاء القاهرة هو المعبر الوحيد لتحقيق الأحلام التُركية.
Mohamed Shadi
Egyptian Center for Strategic Studies - المركز المصري للدراسات الاستراتيجية
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق