12 فبراير، 2014

مختصر كتاب (الفتنة الكبرى) للمفكر طه حسين (3)

 مكث الحسن قريبا من شهرين لا يذكر الحرب التي كان يعد لها أبوه علي حتي الحوا عليه الحاحا و حرضوه تحريضا فخرج أخيرا في جيشه الى المدائن . الا أن معاوية بعث اليه يريد السلم و الصلح . و يقول الناس أن تحول معاوية للسلم مع الحسن سببه معرفته بأن الحسن كان عثماني النزعة كارها للفتنة . و تم الصلح في نهاية المطاف ببيعة الحسن لمعاوية . و كان الحسن يريد  بهذا الصلح حقن الدماء .  أما و قد تم الصلح فقد حمل الحسن أشياءه و أرتحل عائدا الى المدينة . لكنه بدأ من هناك يدير أمور أحد أكبر الطوائف الإسلامية .. الشيعة .. وأول حزب سياسي إسلامي . لكنه ما لبث أن توفى عام خمسين للهجرة .. فصارت رئاسة الشيعة الى أخيه الحسين بن على . و كان في الحسين شدة و عزم أشبه شئ بشدة و عزم عمر بن الخطاب .
= و قد شدد معاوية من قبضته على الرعية خصوصا بعد استلحافه زيادا أخا له و توليته البصرة و الكوفة . كما إشتد الشيعة مع رئاسة الحسين في معارضتهم . و كان رأس المعارضين الشيعة حجر بن عدي الكندي ذلك الرجل الصالح الذي القي في السجن و أشهد ضده الشهود زورا فأمر معاوية عامله على البصرة بأن يدفن حجر حيا .. ففعل . و قد ذعر المسلمون في أطراف الأرض لهذا الحدث . ثم أتبعه معاوية بطوافه على الأقاليم يأخذ البيعة جبرا أو إختيارا على ولاية العهد لإبنه يزيد المعروف بالخلاعة و المجون . فإستقر في الإسلام ملك يقوم على البأس و البطش و الخوف . و قد تم ذلك سنة 56 هجرية .
= ثم يموت معاوية و يجئ بعده إبنه يزيد الماجن الذي لم يكن يحتمل أن يلتوي أحد عليه بطاعة . وأما الحسين فقد أقام بمكة رافضا بيعة يزيد . و لكنه أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة لتعبئة الناس ضد يزيد . فيعلم يزيد بأمرهم . و ذات يوم يخرج  مسلم من مخبئه  و معه الألوف متجهين ناحية مسجد الكوفة . و لكن الليل يجئ فيجد الفتي نفسه وحيدا فيقبض عليه و يرسل ليزيد فيقتله في أعلى القصر و من هناك يلقي برأسه ثم جثته أرضا . فيقرر الحسين المسير الى الكوفة و الناس يخوفونه بطش يزيد .. و قد إحتمل معه أهل بيته و فيهم النساء و الصبيان . مضى مع الحسين نفر من بني أبيه و من بني أخيه الحسن و إثنان من بني عبدالله بن جعفر و نفر من بني عمه عقيل و رجال آخرون . و أنضم اليهم فيما بعد خلق كثير . و عند أبواب البصرة كان جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص متأهبا . فدارت الحرب . و فيها رأى الحسين المحنة كأشنع ما تكون المحن .. رأى إخوته و أهل بيته يقتلون بين يديه و فيهم أبناؤه و أبناء أخيه الحسن و أبناء عمه .. و كان هو آخر من قتل منهم بعد أن تجرع مرارة المحنة فلم يبق منها شيئا . يومذاك نظر المسلمون فإذا مسلمون مثلهم بينهم القرشي عمر بن سعد بن أبي وقاص يقتلون أبناء فاطمة بنت رسول الله و يقتلون أبناء علي و يسلبون الحسين حتي يتركوه متجردا بالعراء و يصنعون به ما لا يصنع المسلمون بالمسلمين .. ثم يسبون النساء كما يسبي الرقيق و فيهم زينب بنت فاطمة بنت رسول الله .. ثم تحمل رؤوس القتلى و فيهم رأس الحسين لتوضع أمام يزيد بن معاوية بن أبي سفيان . و كأن الشر يدعو الى الشر و الدماء تدعو الى الدماء .
= و تتلاحق الأحداث .. فيثور أهل المدينة إنتقاما لمقتل آل البيت و يخرجون عامل يزيد لديهم و يؤمرون منهم رجلا عليهم . فيضطر يزيد أخر الأمر أن يرسل اليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المري . فيصل الجيش المدينة و يقتل منها خلق كثير .. ثم أباح المدينة ثلاثة أيام لجنده يفعلون فيها بالرجال و بالنساء ما يشاؤون . ثم يأخذ البيعة على من بقي منهم , لا على كتاب الله و السنة , و لكن على أنهم (خول ليزيد) .. أي عبيد ليزيد . ثم يتحول الجيش من المدينة الى مكة فيحاصر فيها إبن الزبير و أهلها ثم يرمي مكة بالمنجنيق و تحترق الكعبة .. ثم تستباح مكة لجنود الجيش الغازي يفعلون بالرجال و النساء فيها ما يشاؤون . لتتحول منذ ذلك التاريخ مدينة الرسول الى مدينة مثل باقي المدن و تصبح مكة مكانا مثل باقي الأمكنة يسود عليهم جميعا ملك عضوض فتاك .
=(( و لله حكمة أجرى عليها أمور الناس , و الله بالغ أمره , قد جعل لكل شئ قدرا . ))

ليست هناك تعليقات: